الولائم (العزيمة) في سوريا

 خطر على بالي هذا المشهد:

الزيارات العائلية

سابقا:

كانت الولائم تقليد دائم بين العائلات والأصدقاء

لا يملك السوريون رفاهية السفر، ويلجأ الغالبية بالتعويض عن ذلك من خلال بناء علاقات اجتماعية.

وهي مختلفة،

  (عزيمة) بسيطة (خلينا نشرب فنجان قهوة سوا)

هذه الكلمة تنضوي تحتها مهرجان من التحضيرات والتي أصبحت بديهية بين الأصدقاء. 

تبدأ مع فنجان اهلا وسهلا، ويصحبه أنواع من الكيكات المنزلية أو المشتراة، تليها العصائر، غالبا ما يصحبها فطائر مشكلة، تنتهي مع فنجان القهوة وأنواع مختلفة من الشوكولا والحلويات العربية. 

هذه الزيارات العادية في المدن بشكل عام، في بيئات مختلفة يستقبلك الضيف بكأس من المتة وما أدراك ما هي المتة، وهو مشروب أرجنتيني جاء مع المغتربين الذين عادوا من أميركا اللاتينية، كان المشروب ينحصر في البيئة الساحلية - العلوية- وأهل الجبل - الدروز-، جل مهاجريهم كان يقطن تلك المناطق. 

حاليا انتشرت ولم تعد مقتصرة عليهم. 

للمتة طقوس ايضا، أجمل ما يميزها، الصحبة، عندما يستقبلك أحدهم ويعرض عليك المتة، تتأكد أن جلستك ستمتد لعدة ساعات. 

المتة تصحبها الموالح والمكسرات بأنواعها التي تفرد أمامك، يليها او تصحيها انواع مختلفة من الحلويات، وكل مرة يقوم الضيف بتسخين الماء ممكن أن تجدد كأسك، وتعود الجلسة لنقطة الصفر، جلسة المتة لا تنتهي بسهولة، تحتاج إلى شخص ذو قلب قوي ليخرج المصاصة من الكأس ويقول، دايمة، اكتفيت. 


تكلمت هنا عن الزيارات العادية التي تقال بمعرض الحديث، (اشتقتلك يلا نشرب كاسة متة أو فنجان قهوة). 

لم اتطرق بعد إلى الولائم الرسمية التي تحدث للغداء عادة أو العشاء، وهذه الوليمة تحتاج لدراسة تاريخ المنطقة لتفهم سببها وما هي حيثياتها، لاني للآن لم افهم ما الغالية من كل هذا البذخ! 

هل من المعقول أن تقوم بدعوة شخص أو عائلة وأن يكون المكون اكلة او اثنتين؟ 

في سوريا، لا وكلا.

يجب أن يقوموا بفرد سفرة تضم أربع أو خمسة أصناف، وللآن لم أفهم لماذا.. 

انا على ثقة بعد سفري وترحالي أن أكثر الناس ثراء في العالم لا يقومون بهكذا ولائم التي يقوم بها ابسط الناس في سوريا، سواء في أنواع المكونات أو الكمية.

يجب أن تكون الكمية كبيرة، فالعين تأكل أيضا، لتبقى العائلة بعد الولبمة تأكل ما تبقى منها مدة أسبوع.

تلي وجبة الغداء الحلويات والفواكه.

يتفنن السوري في الأكل حتى تتساءل في سرك انه ليس حقيقة، هو مبالغة.. 

لكن كل سوري يعرف أني صادقة بل ولم ادخل في التفاصيل حتى. 

اذكر إحدى الصديقات الأوروبيات التي زارتني مرة وقررت أخذها إلى أحد المطاعم، كان طلبها فقط للمازات، وقلت لها، ولكن، ألا تريدين شيئا آخر؟ 

اندهشت وجاوبتني :لا، هذا يكفي، لم يعد لدي مكان يتسع.

المازات في ثقافتنا هي فقط مغازلة للمعدة قبل أن تقرر القضاء عليها لاحقا.

اذكر صديقتي التي استقرت في المغرب ولكنها عانت من عدة أمراض دفعة واحدة، لازلت اذكر الجملة التي أخبرها الطبيب، انتم السوريون مختلفون، بنيتكم قوية وبدأ يسرد لها الأسلوب الذي يتبعه السوريون في الطعام، والقيمة الغذائية في كل وجبة من وجباته. 

ما دفعني للحديث عن الطعام هو المشهد الآن في سوريا، 

فقد السوريون النكهة

نكهة الحياة ربما، سوريو الشتات يعيشون على ذاكرة الطعام والمشروبات واللّمات، يجترون تلك الذكريات ولا يملون من تكرارها. 

يحاولون إعادة خلقها في غربتهم ولكن دوما هناك عنصر ما ناقص. 

يتفنن الجميع بخلق كل الظروف للحصول على أكلة معينة، وقمة الشعور بالعظمة لو قاربت تلك النكهة ما ارتبطت ذاكرتهم بها، وهي مرات قليلة الحدوث بالمناسبة. 

اذكر مشهد حدث هذا العيد عندما كنت أزور صديقتي، كانت تتشارك المكان مع احدى الفتيات السوريات، طلبت أذني لتستخدم الطاولة التي أمامي لتضع عليها مجموعة من الحلويات مع فنجان قهوة، وتصورها، قالت ببساطة، هذا هو العيد. 

طبعا بدأت بالحديث عن سوريو الشتات لأن حالهم مهما بدا مؤلما وصعبا، افضل من حال السوريون في الداخل. 

سوريو الداخل، من قرر البقاء في سوريا طوعا أو قهرا، حالهم مؤلم.

ما شاهدته في زيارتي الأخيرة احزنني، هو سيناريو كنت قد تنبأت به، لكن ان تلمسه أصعب بكثير. 

كل التفاصيل التي ذكرتها سابقا اختفت، مع امتناني الكبير لاهلي وأصدقائي الذين حاولوا اسعادي بتذوق كل ما فاتني من طعام لذيذ، لكن أينما وليت وجهك هناك شح في كل شيء، حتى الطعام فقد نكهته، فالكل يتفنن بالغش او لا أدري ما هي المفردة بالمناسبة، مجاراة الأسعار التي يستطيع فيها المواطن العادي الشراء، التاجر يحضر مواد سيئة تناسب ميزانيات الناس بشكل عام، فتحاول البحث عن النكهة ولا تجدها. 

 اشتهر السوريون بأنواع المؤون، يحتاطون لكل الفصول لكن هذا الأمر بات ضربا من الخيال مع انقطاع الكهرباء المستمر، في سوريا أن تاتي الكهرباء ساعتين كل خمس ساعات انقطاع هو ترف، هل تصدقون؟

الآن بات السوريون يتحاشون النظر في عيون بعضهم وقول كلمة اتفضل وهو يعنيها، لانه لن يستطيع أن يقدم لضيفه شيء. 

هو لا يملك شيء.. 

في بعض القرى أصبح بعض الأشخاص يحضرون مشروبهم معهم، لم تعد الأسرة قادرة على ثمن كأس المتة أو فنجان القهوة.. 

كنت أدخل إلى المتاجر في سوريا وأجد الجميع يتحدث عن نفس الموضوع، عن الغلاء وثمن وجبة الغداء لو فكر بالاكلة الفلانية، ويبدأون بسرد أسعار المواد وكأن سردهم هذا سيخفف قليلا من الغلاء!

شعرت مؤخرا أني في مصح كبير، والكل يتألم لأسباب مختلفة. 

كنت اطالع ملامح الناس، هي مختلفة عن أيام الحرب، في السابق كان هناك خوف وأحيانا زهد بالحياة والناس تريد أن تستمر. 

ما وجدته مؤخرا هي ملامح انطفئت، هناك نظرة دائما شاردة، وكلاما قد ضل طريقه أو بقي معلقا في مكان ما. 

هناك تعب، هناك يأس.. 

سوريا يا أعزائي الآن معتقل كبير.

من يخرج من منزله كمّن يقوم بالأعمال الشاقة خلال فترة اعتقاله.

الباقين معتقلين أيضا بشكل أو بآخر، محرومين من الماء، الكهرباء والمال الذي يؤهله لشراء أساسيات الحياة. 

في المعتقل الدولة مجبرة أن تطعمك، أما في الخارج، انت معتقل، لكن على حسابك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن الشعب السوري

محاكمة الله