شوية حكي
وعدتكم بالكتابة عن بعضاً مني، صراحة كتبت الكثير والكثير لكن من خلال تداعيات أفكار في عقلي فقط، وأنا كلي يقين أن مجرد تقكيري يعني أنني قمت بواجبي، (أنت تفكر إذا أنت موجود) هي حقيقة، الفكرة بمجرد أن تولد بعقلك يعني هي موجودة، دوما نسمع أن فلان الفلاني - نزل عليه الوحي- جاؤوه الإلهام، هذا الإلهام هي فكرة موجودة في هذا الفضاء أنا أو غيري صنعناها ولم نقرر كتابتها، الشعراء والكتاب يلتقطونها براداراتهم، منهم من يكتب فكرته هو ومنهم من يكون مجرد أداة وهذه الهبة لا تأتي لأيّ كان أصلا، المهم أن يستغلها أو يتمرن على استغلالها لمن تمر عليه.
نعود إليّ، سينتيا الانسانة التي يندهش كثيرون من أين آتي بكل هذا التفاؤل!
وهل أنا أعيش على نفس الكوكب وأتعرض لنفس الضغوطات؟
لهم أقول، أنا مثلكم بل لدي حساسية مفرطة تجاه كثير من التفاصيل ولكن التفاؤل هو أسلوب حياة ولا يأتي عندما أقرر فقط أن اتفائل.
التمرين، بالتمرين والمثابرة تستطيع تحقيق كل شيء، الموهبة أياً كانت لا تساوي شيئاً إن لم تصحبها مثابرة وعمل، كذلك فعل التفاؤل هو أسلوب حياة.
لكل حدث في الحياة جانب مشرق وآخر مظلم، أنا دوما أحاول النظر إلى الجانب المشرق، ودائما أحاول أن انظر إلى أي حدث من بعيد وكأنني مراقب وأقلبه من كل الجهات.
هذا الموضوع لا يأتي بسهولة، يحتاج إلى إرادة وترويض للذات، من يعتقد مثلاً أن الصيام هو شهر رمضان وينتهي بانتهاء الشهر هو مخطئ، شهر رمضان هو مثال، هو طريقة خطاب الله لنا ليقول أننا نملك إرادة ولكننا لا نستخدمها، فقط في شهر رمضان نشعر بأنه طقس ديني وبأننا ملزمون وتنتهي الحكاية.
الحكاية تبدأ بانتهاء الشهر وليس في بدايته، تخيلوا معي أننا نحن أجمل ما صنع الله!
فلينظر كلٌٌ منكم إلى المرآة وليقول "هل فعلا أنا الذي قال عني الله أحسن خلقه؟"
نحن كذلك ولكننا لا نستخدم ولا نقطة في بحر مَلكاتنا
نحن آية من آيات الله ولكن من منكم من يشعر بنفسه كذلك؟
من يقدرها حق قدرها؟
من يعمل على تطويرها كما تستحق؟
التفاؤل مثله مثل الصبر، في صغري كنت أغضب كثيرا ويمتد غضبي زمن طويل، كانوا يقولون عني أنني قاسية، كنت كذلك، كنت اعتقد أن مقدار تمسكي بموقفي هو مقدار قوتي وكنت قوية، مع الوقت اكتشفت أن الغضب هو وسيلة غبية للتعبير عن امتعاضنا والفن أن نقلص المدة، نحن بشر وطبيعي أن نغضب والذكاء ان نقلص هذه الفترة، فعلا بدل السنوات بت أغضب أشهر، ومن ثم أيام، تقلص غضبي ليصبح ساعات وأحيانا دقائق، اكتشفت لاحقا أن الغضب كفكرة خاطئ أيضا وصرت أتمرن ألا اغضب، جسدي لم يستوعب الموضوع كان يغضب بطريقته عن طريق الأمراض، اكتشفت بعدها حقيقة جديدة، أن الغضب موجود علينا استيعابه، وفهمه لنخرج بأقل الخسائر، أصبح الموضوع أكثر متعة، أصبح الغضب كائن منفصل أحاول جعله منفصل وأحاول فصلي أنا عنه وأن أخرج من الدائرة وأراقب من بعيد، هذه التفاصيل معقدة قليلا وليست سهلة وتحتاج كما أخبرتكم لأسلوب حياة.
الصبر، كلمة عظيمة ومن يصبر لا يعني أنه لا يتألم ولكن يروض نفسه ليستطيع أن يمتلك رد مناسب، وما الصبر إلا الوهلة الأولى، أحاول جاهدة عند أي حدث جلل في اللحظة نفسها أن أشكر الله أن لا امتلئ حزنا أو غضبا، هذه اللحظة التي تلي أي حدث عظيم مهمة جدا، هذه اللحظة هي أنت، لو أردت أن تعرف درجة تطورك الروحي وأن ترى نفسك على حقيقتها بدون رتوش أنظر إلى اللحظة هذه، هذه الوهلة وردة فعلك هي أنت.
طبعا كلامي ستعتقدون أنه مثالية وضرب من الخيال، أنا أقدم لكم تجربتي من وجهة نظري وما عشته وأعيشه وأترك لكم أن تقبلوها أو لا، في صغري كنت أبحث عن الحقيقة، هذه الحقيقة هي التي تبقي جذوة حماسي في الحياة مشتعلة.
أرى أن سر الحياة هي في المحافظة على الشغف في الحياة، على كل تلك التفاصيل التي تحيط بنا دون أن نشعر، الشغف.. الحماس.. حب للحياة مفردات تشعرنا أننا هنا، كيف لي أن أصل إلى ذلك؟
كل مرة كنت اكتشف حقيقة ما، كنت أشعر بنور داخلي، بفرحة الانتصار، تخيلوا معي لعبة - كاندي كراش مثلا - ومرحلة صعبة وقد اجتزتها، احساس فرح بسيط، تخيلوا عندما أشعر أنني على حق بموضوع ما أو أن ما توصلت إليه من معرفة هو الحقيقة التي كنت أبحث عنها، كنت أفرح وأشعر بالنشوة، نشوة الانتصار، ويمر الزمن وما اعتبرته حقيقة وصح كامل أكتشف أنه خطأ، لا أشعر باليأس أو بأنني كنت مخدوعة أو مغفلة، بالعكس يخلق داخلي حماس جديد، والآن، أين هي تلك الحقيقة وأعود لنقطة البداية - هكذا اعتقد ولكن أنا في الحقيقة قد مشيت أشواطا من الطريق- اكتشف حقيقة جديدة وأشعر بالنشوة من جديد وتلك الحقيقة مخالفة تماما لسابقتها، مع الزمن اكتشف خطأي وكثير من الأحيان أعود للحقيقة الأولى وهكذا، هي مراحل الحياة، حقيقة وخطأ تليها أخرى وأخرى ، طريق غير منتهي.
تذكرت هذه الآية لعلكم تتفكرون
اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ
نعود إلى سينتيا، هذه أنا وهذا تفاؤلي هو تمرين، والغريب في لعبة التفاؤل هذه أن كل افكارك تصبح حقيقة، قرأت عناوين كتب كثيرة تتحدث عن قوة العقل وقوة الأفكار، أنا عشت هذا، ما مر معي منذ سنة للآن تجسيد واقعي لتلك الأفكار.
سفري لم يكن موجود من قائمة خياراتي في الحياة، لم أفكر خلال سنوات الحرب بالسفر وترك سوريا رغم أن جواز سفري الأرجنتيني كان صالحا حتى عام 2017، كنت مؤمنة أن سوريا لنا.
مع بداية الثورة والأحلام كانوا يقولون لي" ولو بقي الرئيس حتى الانتخابات المقبلة عام 2014" كنت أضحك، من قلبي أضحك وأقول :"لن يبقى لهذا الوقت ماحجم التشاؤم الذي أنتم فيه" ، وبقي.
الفكرة أني كنت مشتعلة حماس بالنصر كنت احترق على البطيء فقدت الكثير من الأشياء ومنها عملي ولكن كنت أقول أيضا في سري هذا لا شيء مقارنة بغيري، ومرة وفي لحظة من لحظات حزني قلت في سري سأعطي سوريا مهلة عشر سنوات، لم أكن أعلم أني كنت قد أطلقت العد التنازلي منذ تلك اللحظة، وفعلا بعد عشر سنوات سافرت، السنة التي سبقت سفري كنت أودع سوريا بطريقتي دون أن أدري، كنت كلما زرت مكان أقول (علّها المرة الأخيرة التي أرى هذا المكان)، البحر، القرية، الشوارع، حتى المسير كل يوم جمعة تقريبا من عام 2019 كان توديع لكل جمال سوريا، في يوم 1/1/2020حدثت مشكلة معي وغضبت وقررت السفر، كان قرارا ارتجالياً لمن لا يعرفني، ولكن في الحقيقة وعندما أنظر إلى الموضوع من بعيد لم يكن كذلك، كان النقطة التي توضع آخر السطر ليس إلا.
المضحك جدا في قرار سفري أنني لم أملك وقتها إلا الإرادة، مال ليس لدي، أوراقي وجواز سفري منتهين الصلاحية، والسفارة الأرجنتينية في لبنان مغلقة لا تستقبل أحد لأن جهاز تجديد الأوراق والمستندات معطل وفي سوريا ليس لديهم هذه الماكينة، هذه التفاصيل أعرفها لأن اختي كانت تحاول منذ ستة أشهر تجديد جواز سفرها وتفشل، لا داعي لأن اخبركم أنه بتاريخ 25/1/2020 أصبحت في الأرجنتين، التفاصيل شيقة جدا ولكن وقتها ليس هنا، الآن هي نبذة عن أن ماتظنه مستحيل يصبح حقيقة، أنا هنا في الأرجنتين منذ عام، استطعت أن أجد عمل في زمن كورونا في زمن من لديه عمل فقده، استطعت أن استقل وأن أملك منزلي الخاص بالقليل جدا وهو بالمناسبة جميل بسيط جدا وصغير ولكنه جميل في بناء انتهى حديثا، يعني أنا أول من استاجر الشقة التي أسكنها وهو احساس جميل أن لا يسبقك أحد لاستخدام الأشياء، هي تفاصيل بسيطة ولكن تصنع فرق في داخلي.
اعتقد بأني أطلت عليكم، هل للحديث بقية؟
لا أدري
رائعة أنتي سينيتا برافو برافو عليك نعم هذا (وخلقنا الانسان في كبد) ماأجمل الانسان ان يتحدى الحياة بتفاؤل كل الب والود لك
ردحذفشكرا لكلماتك والدعم، كل الود 🌷
حذف