لمَ أكتب #لم_اكتب
اليوم تذكرت جارتي التي نشأت بيننا صداقة من جراء التقائنا صدفة في المواصلات أثناء وجودي في سوريا وبالمناسبة قد كوّنت العديد من الصداقات بتلك الطريقة فللمواصلات هناك عالم وقواعد أخرى، ممكن أن تصل في نصف ساعة كما يحتاج الطريق وممكن أن يمتد الوقت إلى عدة ساعات حسب وضع الحواجز وظروف البلد في حينها، ندى وهي فتاة لطيفة الآن قد هاجرت إلى كندا كمعظم السوريين كنت قد أطلعتها على بعضا من كتاباتي لأجدها بعد ذلك من أشد المعجبين بي وتقول لي :" أحب القراءة جدا ولكنها المرة الأولى التي أعجب بكتابة ما واجد كاتبها أمامي" ، كنت اضحك في سري واشكرها، الإعجاب أمر جميل والشهرة أيضا ولكنها لا تأتي وحدها وللأمانة لا أريدها لا من قريب ولا من بعيد ولكن مشاعري وقتها كانت مضحكة ما بين سعادة وقلق، الشهرة كما السلطة أو المال ليسوا مطلب لصاحب عقل، لا لشيء لأنها لا تأتي وحدها وهنا تحضرني قصة مضحكة كانت حدثت بيني وبين أمي، فكما أخبرتكم كنت قد بدأت طريقا معينا بأسلوب الحياة والتفكير الذي يحتاج إلى الكثير من الإرادة وضبط النفس والعمل والصبر، هذا الطريق يجعل ما هو مستحيل ممكنا وحدثت عدة قصص سأروي بعضها لكم هي ثمار قوة العقل على ما اعتقد، في اتصال مع أمي من العمل أخبرتها برغبتي بتناول أكلة معينة ( شرحات مطفاية بالتوم والحامض ) كان لها حوالي السنتين لم تقم بطبخها .
قلت لها: ماما أتمنى أن تدرجي هذه الأكلة في البرنامج الأسبوعي للطبخ حسب الظروف.
قالت لي: تكرمي.
عدت في المساء لأجد الأكلة التي طلبتها، عاتبتها قائلة : ألم أقل لك حسب ظروفك وخلال الأسبوع الأمر ليس ملحا.
قالت لي : لم أقم بها بناء على طلبك، أبوك طلبها،
أنا ضاحكة : ماما لأنك اخبرتيه ،
هي: لا حبيبتي هو جاء وسألني ما الغداء ؟
وقلت له فروج وبطاطا بالفرن قال لي بالحرف " لا، أريد شرحات مطفاية بالتوم والحامض .
ضحكت يومها مطولا ولم اصدق ولكني كنت سعيدة.
أرى علامات الشك ظهرت عند العديد ممن يقرأ، لا يهم، قصة أخرى، كانت قد تكسرت معظم فناجين القهوة التي املك في المكتب وقررت شراء فناجين جديدة وذهبت إلى العصرونية ولم اترك محلا إلا ودخلته وأعجبني موديل واحد ما ناسب ذوقي، الوحيد الذي حملته وقلت في سري هذا هو، سأعود لشرائه فلم يكن لدي المبلغ المناسب، في اليوم التالي أجد صديقتي التي نتناول سويا القهوة صباحا قد لاحظت تكسر فناجيني وقررت أن تهديني طقما كانت قد أحضرت نفس طقم الفناجين الذي أعجبني مع الفارق أنها اشترته من الشعلان وأنا كنت قد رأيت أخوه التوأم في العصرونية .
وهكذا الكثير من القصص البسيطة، انظر إلى نوع محدد من الشوكولا وأقول لذيذ سأشتريه ويحدث أمر ما وأنسى لأجد بعد قليل صديقتي قد قالت لي اشتهيت لك هذه القطعة من الشوكلا ، قصص وقصص مشابهة حتى قالت لي مرة أمي منفعلة: سينتيا اطلبي شي مليون، اجبتها: مليون شو ماما، ليرة؟؟؟ العملة لا تصلح لشيء،
قالت : لا، دولار اطلبي مليون دولار
وضحكت قائلة: ماما لا أريد، المال الكثير عندما يأتي لا يأتي وحده وأنا ما أريده يتحقق لا حاجة لي بالمال الكثير، هل تذكرين ما حدث مرة ، قالت لي : نعم اذكر،
أما ما حدث، وهي أيضا قصة طريفة حدثت في صغري كانت أفكاري مختلفة عن الآن، والمال هو المال كنت قد حلمت برقم معين ، عندما استيقظت تذكرت الرقم ، قلت "هاد هو" ، اشتريت ورقة يانصيب مطابقة للرقم الذي حلمت به ومن شدة إيماني بالموضوع شعرت أني سأربح الجائزة الكبرى، بدأت بنسج قصور من الأوهام لما سأفعله بتلك الأموال القادمة بدون شك، بدأت بشراء هدايا إلى أهلي تباعا، المضحك المبكي والواقعي جدا أن كل أهلي واقصد أمي وإخوتي كانوا قد انزعجوا من هداياي البسيطة مقارنة مع المبلغ الكبير الذي من المفروض املكه وللأمانة لا اذكر ما هي الهدايا بالضبط لاني فعلا كنت صغيرة ولكن اذكر حزن أمي على هديتي بدلا من أن اشتري لها بيتا ارضيا فهي تكره السلالم ، هذا واحدة من الأشياء التي اذكرها ، المهم انه الليلة التي سبقت ليلة سحب اليانصيب نمت وأنا كنت قد أغضبت الجميع مني ولا احد منهم يكلمني، اليوم التالي حدث السحب ولم اربح شيئا إلا محبة أهلي التي عادت اليّ، لذا عندما ذكّرت أمي بتلك الحادثة وبأن المال لا يأتي وحده سكتت ولم تناقشني أبدا.
أعود للكتابة والشهرة ومناسبة الحديث هو حديث صديق أبي مع أبي مديحه لكتاباتي ، والمفارقة أن أبي أصلا لا يعرف أن ابنته تكتب .
أنا أكتب لأستطيع الاستمرار في الحياة، الناس تتنفس لتعيش بينما أنا اكتب لأعيش، في صغري كنت أتكلم كثيرا ولا أتوقف عن الكلام ملتصقة بأمي، أتحدث أتحدث وأتحدث وتقول لي دوما : سينتيا في صغرك كنت نقاقة ،
كنت أتحدث دوما حتى وقت الطعام أتذكر أبي وأمي وهم يتسابقون لوضع الطعام في فمي لأسكت، تحول كل ذلك الكلام بعد ذلك إلى صمت وقراءة، نهم في القراءة كنت أقرا كل شيء، كل قصص المكتبة الخضراء، الإلغاز، روايات عبير ، كنت اقرأ لأجاثا كريستي، نجيب محفوظ، إحسان عبد القدوس، الأدب الروسي، أي كتاب يقع تحت يدي، وإن لم أجد شيئا لقراءته اقلب علب الشامبو والكريمات والأطعمة، لاحقا ومع الزمن تحولت كل تلك الكلمات التي لا تخرج إلى كتلة في الغدة اضطررت إلى استئصالها ومن ثم سافرت إلى بلد لا يتكلم اللغة التي اعشق، لذا أنا احتاج الكتابة حتى لا تخنقني الكلمات .
تعليقات
إرسال تعليق