للبساطة سحر
ابتعدت عن كل العالم ودخلت عالمي، انعزالي خلق حوارات كثيرة داخلية، كل فترة اكتشف شيئا جديدا وكأني اكتشفت قارة لم يطأها احد ، فعلا الإنسان لغز كبير وكل مرحلة خلفها مراحل، والمصيبة أن هناك من يموت و لا يزل في مقدمة الكتاب ومنهم من لم يتخطى المجلد حتى.
الجلوس مع الذات له لذة لا تضاهيها لذة ومسكين من لم يكتشفها للان، لا ادّعي الكمال من خلال كتاباتي أو مبادئي ولكني أسعى له ومدركة تماما أني لن أصله ولكنه هدف جميل وجماله انه لا نهائي.
وبما أني تحدثت عن المبادئ، ما أمر به الآن غريب وفريد، هو أن المبادئ غير ضرورية وبنفس الوقت هي أساسية، سأتعبكم بالألغاز ولكن لعبتي الدائمة هي بالمتناقضات وسبر أغوار الفكرة لأنه لا يوجد فكرة مهما ب\ت جميلة لا تخلو من القباحة والعكس صحيح، فكرتي عن المبادئ هي انه من الضروري جدا أن يسلك الإنسان خط معين ويرتدي أفكارا تناسبه ولكن ، نعم هنا ال(لكن) ضرورية، أن تخلو تلك الفكرة من المشاعر وإطلاق الأحكام.
مثال بسيط ممكن أن استمتع بمقطوعة موسيقية أو أكلة دون أن اهتم بتوجهات العازف أو الطباخ السياسية أو الدينية أو الفكرية ، أن أتذوق ما يقدمونه دون أحكام، وعندما أُسأل عن رأي سأقوله بوضوح، العزف كان جميلا ولكن رأيه بالأمر الفلاني لا يعجبني أو أنا ضده لا داعي لذلك النفور والتصلب والعدائية، إذا كنت أنا للان لم اكتشفني جيدا فمن أكون لادعي معرفتي للآخر تماما وإدراك نواياه و سريرته !
هذه الفكرة على بساطتها لكنها ليست سهلة أبدا بل تحتاج تمرين مستمر، مثال بسيط وضعت وجبة غسيل وغسالتي عندما تنهي الوجبة ترسل نغمة وكأنها تقول لي انتهيت تعالي لنشر ما بداخلي، سمعت نغمتها وقلت سأقوم بعد قليل، لما قمت لا شعوريا كبست زر الإيقاف وبنفس اللحظة تداركت خطأي، فغسالتي عندما تنتهي تنطفئ اتوماتيكيا وكانت مضاءة وتقوم بفلاشات أي أن بها خلل وعلي قراءتها ولكن تسرعي أو حركة الجسد سبقتني وقمت بكبس زر الإيقاف قبل أن أفكر وهي لحظات من الثانية أخذ مني التفكير وفعلا عندما أخرجت الغسيل لم يكن ككل مرة أي ينقصه فقرة التنشيف كالعادة أو هناك خطب ما ولكن من تسرعي لم اعرفه وسأضطر للانتظار للمرة القادمة، اعتذر عن طول المثال ولكن هي فكرة لأوضح أن حركة الجسد سبقت عقلي، وهو ما يحدث تماما عند إطلاق الأحكام، فورا نضع الآخر أو الفكرة أو أي مشهد في قالب معين دون انتباه وعندما ندرك ممكن تتدارك الموقف، أحيانا تستطيع وكثيرة هي المرات التي يكون فيها الاوان قد فات، كلامي يجب أن يقرأ أكثر من مرة لا لبلاغته بل لان فكرتي عميقة قليلا. نحن بشر وطبيعتنا أن نخلق كيانا يميزنا وكأنها بصمتنا الخاصة ولا ضير من ذلك ولكن إن كان سيأخذ منك ما هو الأهم فلا.
تخيلوا كل تلك التداعيات جاءتني من حدث بسيط وهو انه أثناء تقليبي في اليوتيوب شاهدت إحدى البرامج الترفيهية ومقدمها ممثل سوري مشهور يستضيف ممثلين بقالب معين ويجري معهم حوار وتبادلا للأسئلة خلال ساعة، ياه كم اثر فيني هذا البرنامج، لا لعظمته ولا لتفاصيله، لكن كنت قد قاطعت كل البرامج الترفيهية منذ زمن ولو فرضا صادفت ما صادفته في وقت سابق كنت سأبدأ بالغضب وإطلاق الأحكام على الممثلين دون أن استمتع بما يقدمونه، سافرت خلال البرنامج دون أن أطلق أحكامي إلى فترة جميلة من حياتي في سوريا عندما كنا نعيش سويا ويضحكنا أو يبكينا أمور مشتركة، فجأة خرجت كل تلك المشاعر من تلك الحقبة وعشتها بتفاصيلها وجمالها ولم أفكر بفلان ومواقفه، لا أنكر أهمية أن يكون الإنسان صاحب موقف وقلتها سابقا ولكن لمَ علي خلط كل شيء سويا واستيراد المشاعر السلبية من غضب وخذلان، بالمقابل نفس الأشخاص ونفس البرنامج حاولت استحضار كل ما هو جميل معه استمتعت، حقيقي استمتعت من قلبي وضحكت ، ورأيت في خيالي وكأن جدرانا كبيرة انهارت بداخلي .
هناك خيط رفيع بين البساطة والتفاهة، للأولى سحر كبير جربوه ..
تعليقات
إرسال تعليق