كن بخير #سوريا #الزلزال #الحرب
كن بخير
بدأت الحكاية بفكرة، فكرة أننا أحرار وأن الحرية حق، صدحت الحناجر بها وتبعها نشوة، فالجسم يبدأ بإفراز هرمون السعادة ويعلو الأدرينالين، كُثر من اخبرني عن المتعة التي كانت تصاحبهم في المظاهرات وهم يهتفون مطالبين بالحرية، وفي المقلب المقابل مجموعة خائفة من أمر (ممكن ) أن يحدث ، وهو أن الآخر عندما يقرر الخروج من القمقم سيقتلهم، وتعزز الخوف لديهم ولو وجد احدهم أن هذا الخوف قد فتر يقومون بافعال لتعزيزه.
الطرفين كانوا صادقين، احدهم في طلبه للحرية والآخر في خوفه، وهناك من يقوم بتحريك الطرفين من بعيد وكأنهم داخل لعبة، الطرف الأول جاء من ينسج له الأحلام ويقول له ما الذي تريده؟
مال، لك كل ما تريد، هل تريد أسلحه ؟
هي لك، لا تخف نحن وراءك وتعلوا اصوات الحكام بالخطوط الصفر والحمر التي لا يجوز تخطيها وفي حال حدوث ذلك سنكون خلفكم..
الطرف الثاني كان خائفا بل مذعورا، تخيلوا جردونا صغيرا محصورا في زاوية ومهددا بالموت، هل لك أن تتخيل ما الذي يمكن أن يقوم به؟
صدقوني سيتحول إلى أسد ويحاول تقطيعك، وكان..
سالت الدماء وتحولت الفكرة إلى ثأرا لا يهدأ بين الطرفين.. وكيف لك أن تطالب من اغتصبت أمه أمام عينيه أو قتلت أخاه أن يسامح..
من كان كل حلمه في منزل بناه حجر فوق حجر وقام بشراء محتوياته بعرقه لمدة سنوات فجأة وجد نفسه أن لا مكان يحويه ولا تقولوا لي أن كل نازح هو معارض، كثيرة هي الأسر التي وجدت نفسها لا تملك شيء فقط لأنها تسكن في منطقة معينة، أو لنتخيل المشهد الآتي، أم كان ابنها (معارض أو مؤيد لا يهم)، مسلح كان أو يخدم في الجيش، فجأة وجدت ابنها أو ابناءها قد ماتوا وبقيت مع احفادها، وحيدة (في خيمة أو في قرية)، تلك الأم لا تفهم ما الذي يريده المعارض أو هذا الذي يدافع عن وطنه، الأم هي أم، ومشاعر الألم واحدة، الملخص في حديثي أن ما كان فكرة أصبح ثأرا ووجعا يقوم الآخرون بتغذيته يوما بعد يوم ويزداد الألم لتشعر أن سوريا لها مقياس آخر للألم يختلف عن غيره في بقية بقاع الأرض ( وهو ليس مبالغة على فكرة).
يكبر الوجع وأحاول الابتعاد، لان جسدي لم يعد يتحمل لدرجة أن زوجي يعتقد أني نسيت سوريا فقط لاني لا أتحدث عنها، واستمر في حياتي وعيشي للحظة التي أنادي بها، ففيها كل الحلول، وفجأة يقع زلزال مدمر يأخذ الجميع معه، معارض ومؤيد دون أن يفرق بينهم واقف شاهدة لا أكثر ولا اعرف ما هي المشاعر المناسبة، فأنا قد نبذت المعاناة ولا أريدها وفي حال حدوث ألم ما، اذكر نفسي انه هو أيضا ليس إلا فكرة، نعم حتى الألم فكرة وعندما تفكر بتلك الطريقة يخف وتختفي المعاناة ويبقي أثرها، والاثر يكون كلٌ حسب ثقافته.
دوما عندما اشعر بغضب كبير أو مشاعر كثيفة لا اعرف أين اذهب بها الجأ إلى التنظيف، ويوم الزلزال هذا ما فعلته، بدأت بالتنظيف وبعدها أتابع الأخبار واشعر بالعجز واهرب، لا أريد لجسدي أن يستعيد مشاعر العجز التي كنت قد شعرت بها سابقا وأقول في سري سأبقى قوية، الحياة من وجهة نظري لعبة وكل يوم اختبر مستوى أصعب في تلك اللعبة والمستوى الحالي هي كوارث من حولي ويجب أن أحافظ على هدوئي وعلى نفسي وأعود لعيش اللحظة، الكثير سيعتقدها تخلي أو برود في المشاعر ولكنها أصبحت أسلوب حياتي وما وصلت إليه بعد تعب، وملخص معرفتي حتى اللحظة هو بأن أكون بخير، وجهي، جسدي، نفسيتي.
نعم، أن أكون بخير، ممكن أن أساعد معتقلا أو شخصا تحت الأنقاض أو احد ما يعاني، بهذه الطريقة ممكن أن أساعده، عندما تهتم بنفسك فقط ولا تحمل أحقادا، فقط تريد أن تنجو، لا يعني كلامي أن تنسى، فقط تريد النجاة وكأنك في زورق أنت وآخر مختلف عنك في توجهاته والزورق يغرق ستتحد مع هذا المختلف عنك حتى تنجو من الغرق وبعدها لكل حادث حديث، أنا أريد النجاة ونجاتي بأن اهتم بنفسي وبمن حولي فقط بهذه الطريقة سيجد الآخرين الذين يتحكمون بي، بخوفي أو غضبي سيجدون أنهم فقدوا سيطرتهم عليّ، وقتها فقط سأتحرر، جربها وستجد أن الكون كله سيساعدك، تماما كما يحدث مع الجسد عندما يصاب بجرح ما ، هناك مايسمى بالتشافي الذاتي تصاب بحرق أو جرح ما وجسدك وحده يقوم باللازم ليعود الجلد إلى طبيعته فقط اتركه، سيخلف ندبة، لا بأس ولكن اتركه، ونحن كذلك يجب علينا أن نكون بخير بتلك الطريقة فقط ممكن أن نحلم بغد أفضل.
تعليقات
إرسال تعليق